أوروبا

أوروبا في العصور الوسطى

يعتبر تاريخ أوروبا في القرون الوسطى من أشد عصور التاريخ تعقيداً وتنوعاً وأهمية. فدراسة هذه الحقبة من التاريخ الأوروبي التي امتدت وقت كبير تتناول تشكيلة تُعبر عن جانب هام من جوانب تطور التاريخ البشري، هذا وإن المدخل الطبيعي لدراسة تاريخ أوروبا في العصور الوسطى يبدأ باستعراض أحوال الإمبراطورية الرومانية في أقصى مراحل قوتها وعظمتها، وليس معنى هذا أن تاريخ أوروبا في العصور الوسطى يبدأ بداية دقيقة من هذه المرحلة، وإنما تساعد هذه المرحلة على فهم الأسس والعوامل التي كيفت التاريخ الأوروبي في العصور الوسطى. 
هذا إلا أن حضارة أوروبا في العصور الوسطى ليست في حقيقة أمرها إلى مزيجاً من حضارة الرومان من جهة وحضارة العناصر الديرية التي اجتازت حدود الإمبراطورية الرومانية واستقرت داخل أراضيها واختلطت بأهاليها من جهة أخرى. 
والواقع أن الإمبراطورية الرومانية كانت أعظم وحدة حضارية وسياسية عرفها التاريخ، إذ لم يقدر لإمبراطورية أخرى في تاريخ البشر القديم أو الحديث أن تبلغ ما بلغته الإمبراطورية الرومانية من قوة واتساع. ذلك أن هذه الإمبراطورية ضمّت بين حدودها جميع مراكز الحضارات القديمة، باستثناء فارس والهند، وذلك عندما بلغت أقصى اتساعها على عهد الإمبراطور تراجان (98-117). 
وقد امتدت الإمبراطورية الرومانية عندئذ من المحيط الأطلسي غرباً حتى الفرات شرقاً، فشملت في الغرب البلاد المعروفة بأسماء بريطانيا وغاليا وآيبريا وإيطاليا واليزيا، فضلاً عن شمال أفريقيا من المحيط الأطلسي حتى طرابلس، في حين شمل الجزء الشرقي من الإمبراطورية البلقان وآسيا الصغرى، وأعالي بلاد النهرين فضلاً عن الشام ومصر وبرقة. هذا مع ملاحظة أن نفوذ روما امتد بعيداً إلى ما وراء حدودها السياسية، حتى بلغ فارس والهند، وتطرق إلى النوبة والسودان، ونفذ إلى جوف الصحراء الكبرى عبر جبال أطلس، كما بلغ الشعوب الجرمانية الضاربة في مجاهل أوروبا شرقي الراين وشمال الدانوب اما مرحلة سيطرة الكنيسة 

سيطرة الكنيسة على حكم أوروبا

استمر عصر الإقطاع إلى فترات طويلة إلا أن بروز أهمية الكنيسة بدأ يزداد مع مرحلة تنصير الأمازيغ، فأخذت قوة الكنيسة في الازدياد، خاصةً وأنّ الأوروبيين أصبحوا لا يدينون بالولاء لحاكم واحد، كما بدأت مساوئ النظام الإقطاعي تتزايد، أخذ السكان يتحدون تحت ظل الكنيسة، وكان رجال الدين من القساوسة، وغيرهم ينشطون في نشر الديانة المسيحية في أرجاء أوروبا، فامتلكت الكنيسة الأراضي وجمعت الضرائب، وأنشأت المدارس الدينية والمستشفيات والأديرة. استطاع الفرانكيون الذين سيطروا على فرنسا توحيد أوروبا مرة أُخرى، وكان من أشهر ملوكهم شارلمان الذي حمى الكنيسة من أعدائها وحسّن التعليم فأسس مدرسةٍ في قصره وأحضر المعلمين من أنحاء أوروبا، فبنوا المدارس وترجموا المخطوطات القديمة، إلا أن هذه الدولة لم تدم طويلاً بسبب الخلافات على الحكم بين أبناء
شارلمان. عادت أوروبا إلى عصر الإقطاع، وظهرت طبقة الفرسان التي أقامها الإقطاعيون لحماية مصالحهم وتحصيل أموالهم، ومع بروز مساوئ النظام الإقطاعي أكثر، أخذ الناس يلجؤن إلى الكنيسة لتخلصهم من ظلم أصحاب الأراضي، وأصبحت الكنيسة القوة الوحيدة التي تربط أجزاء أوروبا، وكان البابا يمثل أكبر سلطة، إذ يمتلك السلطة الدينية والدنيوية، عاشت أوروبا في ظل القوانين الدينية التي تفرضها الكنيسة ومارس القساوسة السلطة على الشعب، إلا أن انتشار الفساد في الكنائس والأديرة قد مهد لحالات تمرد على تعاليم البابا، خاصة بعد ظهور الحركة الإنسانيّة التي تدعو إلى احترام الإنسان، وظهر بعض المصلحين الذين دعوا إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكيّة، وظهرت ترجمات للإنجيل باللغات المحلية، وتعرف الناس على أصل الديانة المسيحية، وعاشت أوروربا في هذه المرحلة حروباً دينية طويلة، أدت إلى بزوغ عصر النهضة في ربوع أوروبا، بعد أن تقلّصت صلاحية رجال الدين، وأصبح عملهم يختص بالأمور الدينية فقط.

0/انشر تعليق/تعليقات